الصومال بين عنف دامٍ وتفتيت ناعم

Posted on 07/05/2011

0



تعيش الصومال هذه الأيام على وقع حرب دامية تدور رحاها بين الفرقاء الصوماليين ، باختلاف كيانهم السياسي وانتمائهم الأيديولوجي ، فمشهد الحرب الحامية الوطيس بين الصوماليين بات مألوفاً ، وأصبح جزءاً طبيعياً من الحياة ، أكثر من أي وقت مضى، وبينما تسيل الدماء في مقديشو لحدٍ باتت ترادف نهري شبيلي وجوبا ، فإن سياسة التفتيت الناعم هي التى تنهش الجسد الصومالي من جنوبه إلى شماله ، ناهيك عن الغرب ( الأوغادين ) المحتل اثيوبياً ، والشطر الجنوبي (الانفدي ) المفقود طيلة عقود من الزمن .

طبيعة العنف

 تتسم طبيعة العنف في الصومال وخصوصاً مقديشو التى تعتبر بأنها بؤرة من بؤر الصراع في العالم تتصف بالروتينية والاستمرار ، حيث لايكاد يتوقف هدير المدافع، وأزيز الرصاص بين الحكومة الانتقالية ,وبين الجهات المناوئة لها ، لكن استمرار هذا الصراع يرافقه غياب شبه كامل وتعثر واضح بجهود المصالحة السياسية بعد أن وصلت كل الطرق الدبلوماسية لحلحلة الازمة الراهنة إلى طرق مسدودة ، حركة الشباب المجاهدين لاترضى لدخول مفاوضات سواءاً بشكل مباشر أو بأخر مع الحكومة الانتقالية ، بينما على الطرف الأخر يبدي استعداده لقبول فكرة الحوار ، لكن لاندرك مدى جديته واستعداده الكامل نحو حل الأزمة الراهنة عبر الطرق الدبلوماسية السلمية بدلاً من استخدام لغة السلاح .

الحاصل أن طبيعة هذا الصراع العسكري الدائر بين الصوماليين في الوضع الراهن لايتغير ، ولايقبل التغيير عسكرياً أو سياسياً إذا كان الامر يسير على هذا المنوال ،  لأن القوى المتصارعة في الميدان ليست متكافئة من حيث القوة العسكرية  ، وهذا الأمر هو الذي كان من الممكن أن يرجح كفة الميزان لصالح الحكومة الانتقالية ، لكن ما نشهده في الوضع الراهن ، هو أن طبيعة الصراع العسكري لاتزال تراوح مكانها ، ولا يوجد هناك غالب أو منتصر على طرفه النقض ، اللهم إلا حصد أرواح المدنيين الذين يتلظون بين نار الحرب والظروف الاقتصادية الخانقة .

لقد أخذت الحرب الجارية في مقديشو بعداً جديداً  حيث اتجهت لتفرض نفسها بقوة على الساحة العسكرية الملتهبة برمتها، وتؤثر على كافة مجالات الحياة في الصومال ، وتمتد للأقاليم الأخرى في جنوب البلاد ، ما يعطى دليلاً على اتساع رقعة ونطاق الصراع العسكري ، كما يمكن القول في هذا الصدد أن الحرب الجارية هي تمثل مرحلة كسر العظام ، لتقويض قوة الأخر بين عشية وضحاها.

الأخطر الأكبر

وبمقدوري أن أقول إن الخطر الداهم على الأزمة الصومالية هو التفتيت الناعم الذي بدت ملامحه واضحة على الخريطة الصومالية التى تتجزأ إلى ولايات اقليمية تلوح الانفصال من هنا أو هناك ، وهذه مرحلة خطيرة جداً ، ويعتبر البعض بأنها فقز سريع من الفوضى الدائرة إلى شرنقة التبعية السياسية والإدارية لدول الجوار وخصوصاً إثيوبياً ، التى تبذل جهداً جهيداً لجعل الصومال كيانات وكونتونتا تدور في فلكها .

فمنذ انهيار نظام سياد برى ( 1991م ) لم تفلح كل الجهود الدولية والمحلية في ايجاد حل بديل سوى تأزيم المسألة الصومالية ، ووصف كل الحكومات الانتقالية بـ”الدولة الفاشلة ” ، وجعل الصومال ألعوبة في يد الأخرين وسياسة لترهيب الدول المستبدة ، بسبب الوضع المتفاقم والمزري الذي تعيش فيه طيلة عقدين من الزمن ، فيما ـ الغرب الصهيوالامريكي  ـ يتعامي ويتغافي أنه الصانع الحقيقي للأزمة الصومالية ، والذي يعكر صفو الطريق السلام ، ويخطط في الوضع الراهن إلى تفتيت الصومال إلى دويلات شتى تلعن واحدة تلو الأخرى بسبب الاحتقان السياسي والقبلي المكبوت في الولايات الاقليمية الصومالية .

وبعد ردح من الزمن  بدأ الغرب يهتم بالضلع الشمالي في البلاد لأهيميته الجيوسياسية والإستراتيجية ، بالإضافة إلى كونه بوابة استراتيجية يتم التحكم من خلال مايجري ساحة السياسة الدولية عموماً ، وعلى الأخص الشرق الأوسط  ، ما يضمن ذلك مستقبلاً أمن وسلامة اسرائيل على حساب الشعوب العربية والاسلامية . وهذا الاهتمام المتزايد ينبع من سياسة امريكية يدرس خلف الدوائر الحكومية الامريكية لتنفيذها عاجلاً أو آجلاً  .

وفي تصريح غير مسبوق  لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ” جوني كارسون” في أكتوبر من العام الماضي  قال : إن الولايات المتحدة لا تخطط للاعتراف بحكومتي الإقليمين على أنهما دول مستقلة ؛ لكنه ألمح إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تحاول الاتصال بجماعات في جنوب وسط الصومال، بما في ذلك حكومات محلية وعشائر قبلية ؛ لكنها غير منحازة رسميًّا أو مباشرة لحكومة مقديشو؛ في الوقت الذي شدَّد فيه كارسون على أن الولايات المتحدة ستواصل الاعتراف بدولة صومالية واحدة، وستعمل على تعزيز حكومة الرئيس شيخ شريف أحمد المؤقتة التي فقدت السيطرة على الكثير من مقديشو والكثير من جنوب ووسط الصومال لصالح حركة الشباب. وأضاف كارسون إلى ذلك : إن عليهما انتظار المزيد من المساعدات الأمريكية في مجالات التعليم والزراعة والمياه والصحة .

هذا التصريح الذي يحمل إشارة مبطنة إلى مدى التغير السياسي الذي طرأ على سياستها الخارجية تجاه القرن الافريقي وما يخفي لنا جوني كارسون أعظم بكثير مما نطق لسانه  ، بالاضافة إلى الاسلوب الجديد الذي بدا واضحاً أكثر من ذي قبل، وهو استبدال القوة الناعمة بالأسلوب العسكري القديم الذي جعل امريكاً في وضع اقتصادي لايحسد عليه وبات كفيلاً لهزيمتها من أفغانستان والعراق .. وإلى تذبذب سياستها الخارجية نحو العالم الاسلامي .

الولايات الاقليمية في الصومال تزداد تباعاً نظراً للظروف السياسية في البلاد ، وظهور ولايات أقليمية أخرى هي من الإرهاصات القادمة التى ستبصبح لامحالة واقعاً ملموساً ، هذا الواقع هو الذي سيؤجج نار الحرب الأهلية من جديد بين الصوماليين ، لأن مناطق النزاع والصراع العسكري بين الوطن ستزداد ، وهذا مايريد الغرب المتصهين تحقيقه ، للحصول على صومال كبير منفصل إلى ولايات اقليميه تندلع فيه أشد الحروب والصراعات في وقت لايوجد فروقاً جوهرية بين الصوماليين ، من حيث الدين والعرق واللغة والجغرافيا … ليصبح عنوان بحوث الكتب والمقالات  لدى الكتاب والباحثين مستقبلاً .. جدل الهوية والجغرافيا في أرض البونت وزيلع القديمة.

شافعي محمد

Source: Somaliatoday.net

Posted in: Arabic Articles